فصل: (فَرْعٌ): (وجوبُ تَسْلِيمِ الأمةِ لِمُدَّعٍ تَزْوِيجَهَا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [أَكْلُ الطَّعَامِ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ أَوْ وَسَطِهَا]:

(يُكْرَهُ أَكْلُ) الطَّعَامِ (مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ أَوْ وَسَطِهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلُ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ، وَلَكِنْ لِيَأْكُلَ مِنْ أَسْفَلِهَا؛ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا» وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَدَعُوا ذِرْوَتَهَا يُبَارَكْ فِيهَا» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ.
(وَ) كُرِهَ لِحَاضِرٍ (فِعْلُ مَا يَسْتَقْذِرُهُ مِنْ غَيْرِهِ نَحْوِ مُخَاطٍ وَبُصَاقٍ وَنَفْضِ يَدِهِ فِي الْقَصْعَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِقْذَارِ (وَكُرِهَ تَقْدِيمُ رَأْسِهِ إلَيْهَا) أَيْ الْقَصْعَةِ (عِنْدَ وَضْعِ لُقْمَةٍ بِفَمِهِ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا سَقَطَ مِنْ فَمِهِ شَيْءٌ فِيهَا فَقَذَّرَهَا (وَ) كُرِهَ (غَمْسُ بَقِيَّةِ لُقْمَةٍ أَكَلَ مِنْهَا فِي الْمَرَقَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَكْرَهُهُ غَيْرُهُ.
(وَ) كُرِهَ (تَكَلُّمٌ بِمَا يُسْتَقْذَرُ أَوْ بِمَا يُضْحِكُهُمْ أَوْ يُحْزِنُهُمْ) قَالَهُ الشَّيْخ وَعَبْدُ الْقَادِرِ.
(وَ) كُرِهَ (أَكْلُهُ مُتَّكِئًا أَوْ مُضْطَجِعًا) أَوْ مُنْبَطِحًا وَفِي الْغُنْيَةِ وَغَيْرِهَا (أَوْ عَلَى الطَّرِيقِ وَ) كُرِهَ لِرَبِّ الطَّعَامِ (مَدْحُ طَعَامِهِ) وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلضَّيْفِ وَالزَّائِرِ (وَكُرِهَ تَقْوِيمُهُ وَعَيْبُهُ أَيْ: الطَّعَامِ وَاحْتِقَارُهُ، فَإِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ) لِمَا وَرَدَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا عَابَ طَعَامًا قَطُّ، بَلْ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ لِلْأَكْلِ».
(وَ) كُرِهَ (نَفْخُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) لِيَبْرُدَ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَصَوَّبَ فِي الْإِنْصَافِ عَدَمَ كَرَاهَةِ نَفْخِ الطَّعَامِ إنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ إلَى الْأَكْلِ حِينَئِذٍ (وَأَكْلُهُ حَارًّا) لِأَنَّهُ لَا بَرَكَةَ فِيهِ إنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّ حَاجَةٌ (أَوْ) أَيْ: وَكُرِهَ أَكْلُهُ (كَثِيرًا بِحَيْثُ يُؤْذِيهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى (أَوْ قَلِيلًا بِحَيْثُ يَضُرُّهُ) لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».
(وَ) كُرِهَ (شُرْبُهُ مِنْ فَمِ سِقَاءٍ) نَصًّا، لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ دَاخِلِ الْقِرْبَةِ مَا يُنَغِّصُ الشُّرْبَ أَوْ يُؤْذِي الشَّارِبَ (وَ) مِنْ (ثُلْمَةِ إنَاءٍ) أَوْ مُحَاذِيًا لِلْعُرْوَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِرَأْسِ الْإِنَاءِ، وَكَذَا اخْتِنَاثُهُ الْأَسْقِيَةَ، وَهُوَ قَلْبُهَا.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: خَنَثْت الْإِنَاءَ وَاخْتَنَثْتُهُ إذَا ثَنَيْته إلَى الْخَارِجِ فَشَرِبْت مِنْهُ فَإِنْ كَسَرْته إلَى دَاخِلٍ فَقَدْ قَبَعْته بِالْقَافِ وَالْبَاءِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَ) كُرِهَ شُرْبُهُ (فِي أَثْنَاءِ طَعَامٍ بِلَا عَادَةٍ) فَإِنَّهُ أَجْوَدُ فِي الطِّبِّ. قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ: بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إلَّا إذَا صَدَقَ عَطَشُهُ، فَيَنْبَغِي مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ، يُقَالُ: إنَّهُ دَبَّاغٌ لِلْمَعِدَةِ (وَ) كُرِهَ (تَنَفُّسُهُ فِي الْإِنَاءِ وَرَدِّ شَيْءٍ مِنْ فِيهِ إلَيْهِ) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «وَلَا يَتَنَفَّسُ أَحَدُكُمْ فِي الْإِنَاءِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ.
(وَ) كُرِهَ (أَكْلٌ وَشُرْبٌ بِشِمَالِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ كُرِهَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَلَا يَأْكُلُ بِيَمِينِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ أَمْسَكَ بِيَمِينِهِ خُبْزًا وَبِشِمَالِهِ أُدْمًا) وَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا، وَيَتَأَدَّمُ مِنْ هَذَا (فَكَذَلِكَ) أَيْ: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ بِشِمَالِهِ (وَلِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرَهِ، وَ) كُرِهَ (قِرَانُهُ فِي تَمْرٍ وَنَحْوِهِ) (مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَنَاوُلِهِ إفْرَادًا) لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرَهِ أَيْضًا (وَ) كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (أَنْ يَفْجَأَ قَوْمًا عِنْدَ وَضْعِ طَعَامِهِمْ تَعَمُّدًا فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ بِلَا إذْنِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ}. الْآيَةَ. وَكَذَا الَّذِي يَتْبَعُ الضَّيْفَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْعَى وَهُوَ الطُّفَيْلِيُّ (وَ) إنْ فَجْأَهُمْ (بِلَا تَعَمُّدٍ) فَلَهُ أَنْ (يَأْكُلَ) نَصًّا إنْ كَانَ مِنْ عَادَةِ رَبِّ الْأَكْلِ السَّمَاحَةُ.
(وَ) كُرِهَ (تَعْلِيَةُ قَصْعَةٍ بِخُبْزٍ وَطَبِيخٍ) لِأَنَّهُ اسْتِبْذَالٌ لَهُ (وَ) كَرِهَ أَحْمَدُ (كَوْنَهُ) أَيْ: الْخُبْزِ (كِبَارًا) وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ بَرَكَةٌ، وَذَكَرَ مَعْمَرٌ أَنَّ أَبَا أُسَامَةَ قَدَّمَ لَهُمْ طَعَامًا فَكَسَرَ الْخُبْزَ قَالَ أَحْمَدُ: لِئَلَّا يَعْرِفُوا كَمْ يَأْكُلُونَ.
(وَ) تُكْرَهُ (إهَانَتُهُ فَلَا يَمْسَحُ يَدَهُ أَوْ السِّكِّينَ بِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَكْرِمُوا الْخُبْزَ».
(وَ) كُرِهَ أَكْلُ مَا انْتَفَخَ مِنْ خُبْزٍ أَوْ أَكْلُ (وَجْهِهِ، وَتَرْكُ الْبَاقِي) مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ كِبْرٌ. وَيُسَنُّ تَخْلِيلُ أَسْنَانِهِ إنْ عَلِقَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: تَرْكُ الْخِلَالِ يُوهِنُ الْأَسْنَانَ. وَلَا يُخَلِّلُ أَسْنَانَهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّعَامِ وَلَا بِعُودٍ يَضُرُّهُ (وَ) كُرِهَ (بَلْعُ مَا أَخْرَجَهُ الْخِلَالُ،) (وَلَا) يُكْرَهُ بَلْعُ (مَا قَلَعَهُ بِلِسَانِهِ) كَسَائِرِ مَا بِفِيهِ. (وَحَرُمَ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ بِلَا إذْنِ رَبِّهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِئَاتِ عَلَيْهِ (وَجَوَّزَهُ فِي الرِّعَايَةِ) الْكُبْرَى فَقَالَ: لَهُ أَخْذُ مَا عَلِمَ وَرَضِيَ رَبُّهُ بِهِ، وَإِطْعَامُ الْحَاضِرِينَ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَالْمَذْهَبُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ (وَمَا جَرَتْ عَادَةٌ بِهِ مِنْ إطْعَامِ نَحْوِ سَائِلٍ وَسِنَّوْرٍ فَوَجْهَانِ، قَالَ: وَجَوَازُهُ أَظْهَرُ) وَقَالَ فِي آدَابِهِ الْأُولَى جَوَازُهُ (وَلَا بَأْسَ بِوَضْعِ خَلٍّ وَبُقُولٍ عَلَى الْمَائِدَةِ غَيْرِ نَحْوِ ثُومٍ وَبَصَلٍ) وَفُجْلٍ وَمَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ؛ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ نِيئًا. (وَلَا يُكْرَهُ قَطْعُ لَحْمٍ بِسِكِّينٍ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ لَا يَصِحُّ) قَالَهُ أَحْمَدُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ إلَى تَقْطِيعِ اللَّحْمِ الَّذِي يُقَدَّمُ لَلضَّيْفَانِ حَتَّى يَأْذَنُوا لَهُ فِي ذَلِكَ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ (وَلَا يُلْقِمُ جَلِيسَهُ، وَلَا يَفْسَخُ لِغَيْرِهِ بِلَا إذْنِ رَبِّ الطَّعَامِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ تَقْدِيمُ بَعْضِ الضَّيْفَانِ مَا لَدَيْهِ، وَنَقْلِهِ بِلَا إذْنِ رَبِّ الطَّعَامِ، قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنْ لَا يُلْقِمَ أَحَدًا يَأْكُلُ مَعَهُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الطَّعَامِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، لَكِنَّ الْأَدَبَ وَالْأَوْلَى الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى طَعَامِهِ بِبَعْضِ التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْر إذْنٍ صَرِيحٍ. (وَلَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ تَرْكُ) أَكْلِ (الطَّيِّبَاتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}. (وَلَا بَأْسَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ طَعَامَيْنِ) مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ، وَمِنْ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْت» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَنَسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ فِي الْآدَابِ وَفِيهِ ضَعْفٌ (وَمَنْ أَذْهَبَ طَيِّبَاتِهِ فِي حَيَاتِهِ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا؛ نَقَصَتْ دَرَجَتُهُ فِي الْآخِرَةِ) لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ أَحْمَدُ: يُؤْجَرُ فِي تَرْكِ الشَّهَوَاتِ، وَمُرَادُهُ مَا لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ امْتَنَعَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَمُبْتَدِعٌ. (وَكُرِهَ النِّثَارُ) فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ (لِمَا فِيهِ مِنْ النُّهْبَةِ) وَقَدْ «نَهَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ (وَالْتِقَاطُهُ) دَنَاءَةٌ وَإِسْقَاطُ مُرُوءَةٍ، وَاَللَّهُ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ تَزَاحُمًا وَقِتَالًا، وَقَدْ يَأْخُذُهُ مَنْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إلَى صَاحِبِهِ (وَمَنْ حَصَلَ فِي حِجْرِهِ مِنْهُ) شَيْءٌ (أَوْ أَخَذَهُ فَلَهُ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهُ) لِأَنَّ مَالِكَهُ قَصَدَ تَمْلِيكَهُ لِمَنْ حَازَهُ، وَقَدْ حَازَهُ مَنْ أَخَذَهُ، وَحَصَلَ فِي حِجْرِهِ، فَيَمْلِكَهُ، كَمَا لَوْ وَثَبَتْ سَمَكَةٌ فِي الْبَحْرِ فَوَقَعَتْ فِي حِجْرِهِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ صَيْدٌ دَارِهِ أَوْ خَيْمَتَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ مِنْهُ، فَإِنْ قَسَمَ الْآخِذُ لِلنِّثَارِ مَا أَخَذَهُ عَلَى الْحَاضِرِينَ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ وَلَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَقَدْ أَبَاحَهُ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ إنْ وَضَعَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَذِنَ لَهُمْ فِي أَخْذِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ تَنَاهُبٌ؛ فَيُبَاحُ، لِعَدَمِ مُوجِبِ الْكَرَاهَةِ. (وَتُبَاحُ الْمُنَاهَدَةُ) وَيُقَالُ: النِّهْدُ بِكَسْرِ النُّونِ (وَهِيَ أَنْ يَخْرُجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رُفْقَةٍ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ) وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَوْا (وَيَدْفَعُونَهُ إلَى مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ، وَيَأْكُلُونَ جَمِيعًا، فَلَوْ أَكَلَ بَعْضُهُمْ) مِنْ رَفِيقِهِ (أَوْ تَصَدَّقَ) بَعْضُهُمْ (مِنْهُ فَلَا بَأْسَ) لَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ نَصًّا.
تَتِمَّةٌ:
يُسْتَحَبُّ جَعْلُ مَاءِ الْأَيْدِي فِي طَسْتٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَرْفَعُهُ حَتَّى يَمْتَلِئَ، لِئَلَّا يَكُونَ مُتَشَبِّهًا بِالْأَعَاجِمِ فِي زِيِّهِمْ، وَلَا يَضَعُ الصَّابُونَ فِي مَاءِ الطَّسْتِ بَعْدَ غَسْلِ يَدَيْهِ، لِأَنَّهُ يُذِيبُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُكْرَهُ غَسْلُ الْيَدِ بِالطِّيبِ؛ فَلَا يُكْرَهُ بِالصَّابُونِ الْمُطَيَّبِ. وَمَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَلْيَقُلْ اسْتِحْبَابًا: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَإِذَا شَرِبَ لَبَنًا قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَزِدْنَا مِنْهُ. وَإِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ وَنَحْوُهُ كَالزُّنْبُورِ وَالنَّحْلِ قَالَ الْحَافِظُ: اسْمُ الذُّبَابِ يَقَعُ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى الزَّنَابِيرِ وَالنَّحْلِ وَالْبَعُوضِ وَغَيْرِهَا إذَا وَقَعَ فِي طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ سُنَّ غَمْسُهُ فِيهِ كُلِّهِ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ أَوْ قَالَ: فِي طَعَامِ أَحَدِكُمْ؛ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءٌ وَفِي الْآخَرِ شِفَاءٌ وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِالدَّاءِ». وَظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ غَمْسِهَا مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً، وَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى مَوْتِهَا بِالْغَمْسِ، وَيَغْسِلُ يَدَيْهِ وَفَمَهُ مِنْ ثُومٍ وَبَصَلٍ وَزُهُومَةٍ أَيْ دُسُومَةٍ وَرَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ تَنْظِيفًا لِذَلِكَ، وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ النَّوْمِ خَشْيَةَ اللَّمَمِ، وَفِي الثَّرِيدِ فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الطَّعَامِ؛ لِحَدِيثِ: «فَضْلُ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ كَفَضْلِ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ» وَهُوَ أَنْ يَثْرُدَ الْخُبْزَ ثُمَّ يَبُلَّهُ بِمَرَقِ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَثَرَدَ غَطَّاهُ شَيْئًا حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرَهُ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ. فَصْلٌ. (يُسَنُّ إعْلَانُ نِكَاحٍ وَ) يُسَنُّ (ضَرْبٌ فِيهِ بِدُفٍّ مُبَاحٍ) وَهُوَ مَا لَا حِلَقَ فِيهِ وَلَا صُنُوجَ (لِنِسَاءٍ وَلِرِجَالٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ التَّسْوِيَةُ، قِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ المروذي: مَا تَرَى النَّاسَ الْيَوْمَ يُحَرِّكُ الدُّفَّ فِي إمْلَاكٍ أَوْ بِنَاءٍ بِلَا غِنَاءٍ، فَلَمْ يَكْرَه ذَلِكَ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ جَرَسٌ قَالَ: لَا (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ، وَقَدْ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ وَالْمُوَفَّقَ حَيْثُ خَصَّصَاهُ بِالنِّسَاءِ، وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَاطِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الصَّوْتُ وَالدُّفُّ فِي النِّكَاحِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَحَدِيثُ: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ» وَفِي لَفْظٍ: «أَظْهِرُوا النِّكَاحَ» وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ. وَفِي لَفْظٍ: «اضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا بَأْسَ بِالْغَزَلِ فِي الْعُرْسِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِلْأَنْصَارِ: أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ وَلَوْلَا الذَّهَبُ الْأَحْمَرُ لَمَا حَلَّتْ بِوَادِيكُمْ وَلَوْلَا الْحَبَّةُ السَّمْرَاءُ مَا سُرَّتْ عَذَارِيكُمْ».
(وَقَالَ الْإِمَامُ: يُسْتَحَبُّ ضَرْبُ الدُّفِّ وَالصَّوْتِ فِي الْإِمْلَاكِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: يَتَكَلَّم وَيَتَحَدَّثُ وَيُظْهِرُ). يُسَنُّ ضَرْبٌ بِدُفٍّ مُبَاحٍ فِي (خِتَانٍ وَقُدُومِ غَائِبٍ وَوِلَادَةٍ كَنِكَاحٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ السُّرُورِ (وَحَرُمَ مِزْمَارُ طُنْبُورٍ وَرَبَابٍ وَجُنْكٍ) وَمُعْزِفَةٍ وَجِفَانَةٍ (وَعُودٍ وَنَايٍ وَزَمَّارَةِ الرَّاعِي وَنَحْوِهِ، سَوَاءٌ اُسْتُعْمِلَتْ لِحُزْنٍ أَوْ سُرُورٍ) وَفِي الْقَضِيبِ وَجْهَانِ، وَفِي الْمُغْنِي لَا يُكْرَهُ إلَّا مَعَ تَصْفِيقٍ أَوْ غِنَاءٍ أَوْ رَقْصٍ وَنَحْوِهِ (وَكُرِهَ رَقْصٌ وَتَخْرِيقُ ثِيَابٍ لِمُتَوَاجِدٍ عِنْدَ السَّمَاعِ، قَالَهُ فِي الْغُنْيَةِ ) وَكَرِهَ أَحْمَدُ التَّغْبِيرَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ؛ وَنَهَى عَنْ اسْتِمَاعِهِ، وَقَالَ: هُوَ بِدْعَةٌ وَمُحْدَثٌ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد وَلَا يُعْجِبُنِي، وَنَقَلَ يُوسُفُ وَلَا تَسْتَمِعُهُ، قِيلَ: هُوَ بِدْعَةٌ، قَالَ: حَسْبُك.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالْمُغَبَّرَةُ قَوْمٌ يُغَبِّرُونَ لِذِكْرِ اللَّهِ؛ أَيْ: يُهَلِّلُونَ وَيُرَدِّدُونَ الصَّوْتَ بِالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُرَغِّبُونَ النَّاسَ فِي الْمُغَايِرَةِ إلَى الْبَاقِيَةِ انْتَهَى.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ مَنَعَ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْبِدْعَةِ عَلَيْهِ وَمِنْ تَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ شِعْرٌ مُلَحَّنٌ كَالْحُدَاءِ وَالْحَدْوُ لِلْإِبِلِ وَنَحْوِهِ، وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ الْقَلَانِسِيُّ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ عَنْ الصُّوفِيَّةِ: لَا أَعْلَمُ أَقْوَامًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ، قِيلَ: إنَّهُمْ يَسْتَمِعُونَ وَيَتَوَاجَدُونَ، قَالَ: دَعُوهُمْ يَفْرَحُونَ مَعَ اللَّهِ سَاعَةً. قِيلَ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْشَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ سَمَاعُ الْقُرْآنِ وَعَذَرَهُمْ لِقُوَّةِ الْوَارِدِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

.بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَالْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا:

الْعِشْرَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فِي الْأَصْلِ الِاجْتِمَاعُ. فَيُقَالُ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ عِشْرَةٌ وَمَعْشَرَةٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا (هُوَ مَا يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْأُلْفَةِ وَالِانْضِمَامِ) أَيْ: الِاجْتِمَاعِ (يَلْزَمُ كُلًّا) مِنْ الزَّوْجَيْنِ (مُعَاشَرَةُ الْآخَرِ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ الصُّحْبَةِ الْجَمِيلَةِ وَكَفِّ الْأَذَى، وَأَنْ لَا يَمْطُلَهُ بِحَقِّهِ مَعَ قُدْرَتِهِ، وَلَا يَتَكَرَّهُ لِبَذْلِهِ) أَيْ مَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ، بَلْ يَبْذُلُهُ بِبِشْرٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ (وَلَا يُتْبِعُهُ أَذًى أَوْ مِنَّةً) لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. وَقَوْلُهُ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} قَالَ أَبُو زَيْدٍ: تَتَّقُونَ اللَّهَ فِيهِنَّ كَمَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يَتَّقِينَ اللَّهَ فِيكُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (وَحَقُّهُ) أَيْ الزَّوْجِ (عَلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ حَقِّهَا عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَقَالَ: «إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيُسَنُّ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا (تَحْسِينُ الْخَلْقِ لِصَاحِبِهِ وَالرِّفْقُ بِهِ وَاحْتِمَالُ أَذَاهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} قِيلَ هُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ لَنْ تَسْتَقِيمَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا، اسْتَمْتَعْتَ بِهَا لَوْ فِيهَا عِوَجٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ «خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ (قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مُعَاشَرَةُ الْمَرْأَةِ بِالتَّلَطُّفِ) لِئَلَّا تَقَعَ النَّفْرَةُ بَيْنَهُمَا (مَعَ إقَامَةِ هَيْبَتِهِ) لِئَلَّا تَسْقُطَ حُرْمَتُهُ عِنْدَهَا (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهَا قَدْرَ مَالِهِ أَوْ يُفْشِيَ إلَيْهَا سِرًّا يَخَافُ إذَاعَتَهُ) لِأَنَّهَا قَدْ تُفْشِيهِ؛ وَلَا يُكْثِرُ مِنْ الْهِبَةِ، فَإِنَّهَا مَتَى عَوَّدَهَا شَيْئًا لَمْ تَصْبِرْ عَنْهُ (وَلِيَكُنْ غَيُورًا مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ لِئَلَّا تُرْمَى بِالشَّرِّ مِنْ أَجْلِهِ، وَيَنْبَغِي إمْسَاكُهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ لَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رُبَّمَا رُزِقَ مِنْهَا وَلَدًا فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا. (وَيَجِبُ بِعَقْدٍ تَسْلِيمُهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (بِبَيْتِ زَوْجٍ إنْ طَلَبَهَا) كَمَا يَجِبُ الصَّدَاقُ إنْ طَلَبَتْهُ (وَهِيَ حُرَّةٌ) وَتَأْتِي الْأَمَةُ (وَلَمْ تَشْتَرِطْ دَارَهَا) فَإِنْ شَرَطَتْهَا فَلَهَا الْفَسْخُ إذَا نَقَلَهَا عَنْهَا؛ لِلُزُومِ الشَّرْطِ، وَتَقَدَّمَ (وَأَمْكَنَ اسْتِمْتَاعٌ بِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَحْضُنُهَا وَأُرَبِّيهَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحِلًّا لِلِاسْتِمْتَاعِ. وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُوَاقِعَهَا فَيُفْضِيَهَا (وَنَصُّهُ) أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الَّتِي يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا هِيَ (بِنْتُ تِسْعِ) سِنِينَ فَأَكْثَرَ.
قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ فِي الصَّغِيرَةِ يَطْلُبُهَا زَوْجُهَا، فَإِنْ أَتَى عَلَيْهَا تِسْعُ سِنِينَ دُفِعَتْ إلَيْهِ، لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوهَا بَعْدَ التِّسْعِ، وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنَى بِعَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ»، فَيَلْزَمُ تَسْلِيمُهَا (وَلَوْ) كَانَتْ (نِضْوَةَ الْخِلْقَةِ) أَيْ: مَهْزُولَةَ الْجِسْمِ، وَهُوَ جَسِيمٌ وَيَسْتَمْتِعُ بِمَنْ يُخْشَى عَلَيْهَا كَحَائِضٍ أَيْ: بِمَا دُونَ الْفَرْجِ (فَلِمَنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا الْإِفْضَاءَ) مِنْ عِظَمِهِ (مَنْعُهُ مِنْ جِمَاعِهَا) لِحَدِيثِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ) لِأَنَّ مَنْعَهَا لِنَفْسِهَا لِعُذْرٍ (وَلَوْ أَنْكَرَ أَنْ وَطْأَهُ يُؤْذِيهَا فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ) لِعُمُومِ حَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» (وَيُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ فِي نَحْوِ ضِيقِ فَرْجِهَا) كَقُرُوحٍ بِهِ (وَعَبَالَةِ ذَكَرِهِ) كَسَائِرِ عُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ، (وَ) يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الثِّقَةِ أَنْ (تَنْظُرَهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (لِحَاجَةٍ وَقْتَ اجْتِمَاعِهَا) لِتَشْهَدَ بِمَا تُشَاهِدُ. (وَمَنْ زَادَ عَلَيْهَا فِي الْجِمَاعِ صُولِحَ عَلَى شَيْءٍ) مِنْهُ قَالَهُ أَبُو حَفْصٍ وَالْقَاضِي (قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، فَرَجَعَ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَإِنْ تَنَازَعَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْرِضَهُ الْحَاكِمُ كَالنَّفَقَةِ، وَكَوَطْئِهِ إذَا زَادَ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ خِلَافُ ذَلِكَ، وَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ مَا لَمْ يَشْغَلْهَا عَنْ الْفَرَائِضِ أَوْ يَضُرَّهَا (وَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ لِرَجُلٍ أَرْبَعًا بِاللَّيْلِ وَأَرْبَعًا بِالنَّهَارِ، وَصَالَحَ أَنَسٌ رَجُلًا اسْتَعْدَى عَلَى امْرَأَتِهِ عَلَى سِتَّةٍ). (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الزَّوْجَ (تَسَلُّمُهَا) أَيْ: الزَّوْجَةَ (إنْ بَذَلَتْهُ) فَتَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ تَسَلَّمَهَا أَوْ لَا؛ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ حَيْثُ كَانَتْ مِمَّنْ يَلْزَمُ تَسْلِيمَهَا (وَلَا يَلْزَمُ) زَوْجَةً أَوْ وَلِيَّهَا (ابْتِدَاءً) أَيْ: فِي ابْتِدَاءِ الدُّخُولِ (تَسْلِيمُ مُحْرِمَةٍ) لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (وَمَرِيضَةٍ) لَا يُمْكِنُ اسْتِمْتَاعٌ بِهَا (وَصَغِيرَةٍ وَحَائِضٍ، وَلَوْ قَالَ: لَا أَطَأُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْذَارَ تَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا وَيُرْجَى زَوَالُهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ طَلَبَ تَسْلِيمَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَقَوْلُهُ: ابْتِدَاءً: احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ طَرَأَ الْإِحْرَامُ أَوْ الْمَرَضُ أَوْ الْحَيْضُ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ فَلَيْسَ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ زَوْجِهَا، مِمَّا يُبَاحُ لَهُ مِنْهَا، وَلَوْ بَذَلَتْ نَفْسَهَا، وَهِيَ كَذَلِكَ لَزِمَ تَسْلِيمُ مَا عَدَا الصَّغِيرَةَ.
تَتِمَّةٌ:
وَمَتَى امْتَنَعَتْ قَبْلَ الْمَرَضِ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا، ثُمَّ حَدَثَ الْمَرَضُ؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَسَلُّمُهَا إذَنْ عُقُوبَةً لَهَا (وَمَنْ اسْتَمْهَلَ مِنْهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ (لَزِمَهُ إمْهَالُهُ مَا) أَيْ: مُدَّةً (جَرَتْ عَادَةٌ بِإِصْلَاحِ أَمْرِهِ) أَيْ: الْمُسْتَمْهِلِ فِيهَا (كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ) طَلَبًا لِلْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ، وَالْمُرَجَّحُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ بَيْنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعَادَاتِ.
وَ(لَا) يُمْهَلُ مَنْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ مِنْهُمَا (لِعَمَلِ جَهَازٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا. وَفِي الْغُنْيَةِ إنْ اسْتَمْهَلَتْ هِيَ أَوْ أَهْلُهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ إجَابَتُهُمْ، مَا يُعْلَمُ بِهِ التَّهَيُّؤُ مِنْ شِرَاءِ جَهَازٍ وَتَزْيِينٍ انْتَهَى.
وَكَذَا لَوْ سَأَلَ الزَّوْجُ الْإِنْظَارَ، فَيُنْظَرُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَوَلِيُّ مَنْ بِهِ صِغَرٌ أَوْ جُنُونٌ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ مِثْلُهُ إذَا طَلَبَ الْمُهْلَةَ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. (وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ أَمَةٍ مَعَ إطْلَاقٍ إلَّا لَيْلًا) نَصًّا، وَلِلسَّيِّدِ اسْتِخْدَامُهَا نَهَارًا؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ مِنْ أَمَتِهِ مَنْفَعَتَيْنِ: الِاسْتِخْدَامَ وَالِاسْتِمْتَاعَ، فَإِذَا عَقَدَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُهَا إلَّا فِي زَمَنِ اسْتِيفَائِهَا؛ كَمَا لَوْ أَجَرَهَا لِلْخِدْمَةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُهَا إلَّا زَمَنَهَا، وَهُوَ النَّهَارُ (فَلَوْ شَرَطَ) تَسْلِيمَهَا (نَهَارًا) وَجَبَ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» (أَوْ بَذَلَهُ) أَيْ: التَّسْلِيمَ نَهَارًا (سَيِّدٌ وَقَدْ شَرَطَ كَوْنَهَا) أَيْ: الْأَمَةِ (فِيهِ) أَيْ: النَّهَارِ (عِنْدَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (أَوْ لَا) أَيْ: أَوْ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ (وَجَبَ تَسْلِيمُهَا) عَلَى الزَّوْجِ نَهَارًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَقْتَضِي وُجُوبَ التَّسْلِيمِ مَعَ الْبَذْلِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ فِي الْأَمَةِ نَهَارًا لِحَقِّ السَّيِّدِ، فَإِذَا بَذَلَ فَقَدْ تَرَكَ حَقَّهُ، فَعَادَ إلَى الْأَصْلِ. (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (الِاسْتِمْتَاعُ) بِزَوْجَتِهِ مِنْ أَيْ جِهَةٍ شَاءَ (وَلَوْ) كَانَ (مِنْ جِهَةِ الْعَجِيزَةِ فِي قُبُلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. وَالتَّحْرِيمُ مُخْتَصٌّ بِالدُّبُرِ، دُونَ مَا سِوَاهُ (مَا لَمْ يَضُرَّ) اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا (أَوْ يَشْغَلْ) اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا (عَنْ فَرْضٍ) وَحَيْثُ لَمْ يَضُرَّهَا، وَلَمْ يَشْغَلْهَا عَنْ ذَلِكَ فَلَهُ الِاسْتِمْتَاعُ (وَلَوْ كَانَتْ عَلَى تَنُّورٍ أَوْ ظَهْرِ قَتَبٍ) وَنَحْوَهُ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ (وَلَهُ الِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِهَا، وَلَا يُكْرَهُ جِمَاعٌ فِي لَيْلَةٍ مِنْ اللَّيَالِي أَوْ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ، وَكَذَا السَّفَرُ وَالتَّفْصِيلُ وَالْخِيَاطَةُ وَالْغَزْلُ وَالصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا) لَا تُكْرَهُ فِي لَيْلَةٍ مِنْ اللَّيَالِي، وَلَا يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ حَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى إخْرَاجِ فَرْضٍ عَنْ وَقْتِهِ. (وَلَا يَجُوزُ لَهَا) أَيْ: لِلْمَرْأَةِ (تَطَوُّعٌ بِصَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ وَهُوَ شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا. (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (السَّفَرُ) حَيْثُ شَاءَ (بِلَا إذْنِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ، وَلَوْ عَبْدًا مَعَ سَيِّدٍ وَبِدُونِهِ بِخِلَافِ سَفَرِهَا بِلَا إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَيْهِ (وَ) لَهُ السَّفَرُ (بِهَا) أَيْ: بِزَوْجَتِهِ حَيْثُ شَاءَ (إلَّا أَنْ تَشْتَرِطَ بَلَدَهَا) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُسَافِرُونَ بِنِسَائِهِمْ، فَإِنْ شَرَطَتْ بَلَدَهَا فَلَهَا شَرْطُهَا؛ لِحَدِيثِ: «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهَا مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهَا الْفُرُوجَ» (أَوْ) إلَّا أَنْ (تَكُونَ أَمَةً فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ سَفَرٌ بِهَا بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ مَنْفَعَتِهَا نَهَارًا عَلَى سَيِّدِهَا (وَلَا لِسَيِّدٍ سَفَرٌ بِهَا) أَيْ: بِأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ (بِلَا إذْنِ الْآخَرِ) أَيْ: الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّهُ مِنْهَا، فَمَنَعَهُ مِنْهُ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنْ لَا يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِالسَّفَرِ بِهَا بِلَا إذْنِ الْآخَرِ (وَلَوْ سَافَرَ) أَيْ: الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ بِالْأَمَةِ (مَعًا) إنْ اخْتَلَفَتْ جِهَتَاهُمَا مُرَاعَاةً لِحَقَّيْهِمَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَلْزَمُ) زَوْجُ أَمَةٍ (لَوْ بَوَّأَهَا) أَيْ: هَيَّأَ لَهَا (سَيِّدُهَا مَسْكَنًا أَنْ يَأْتِيَهَا الزَّوْجُ فِيهِ) لِأَنَّ السَّكَنَ زَمَنُ حَقِّ الزَّوْجِ لَهُ، لَا لِسَيِّدِهَا كَالْحُرَّةِ. (وَلَهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (السَّفَرُ بِعَبْدِهِ الْمُزَوَّجِ وَاسْتِخْدَامُهُ نَهَارًا) وَمَنْعُهُ مِنْ التَّكَسُّبِ؛ لِتَعَلُّقِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ.

.(فَرْعٌ): [وجوبُ تَسْلِيمِ الأمةِ لِمُدَّعٍ تَزْوِيجَهَا]:

(لَوْ قَالَ سَيِّدُ) أَمَةٍ لِمَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا (بِعْتُكهَا؛ فَقَالَ) مُدَّعٍ تَزْوِيجَهَا (بَلْ زَوَّجْتنِيهَا، وَجَبَ تَسْلِيمُهَا) لِمُدَّعٍ تَزْوِيجَهَا (وَتَحِلُّ لَهُ)؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَمَتُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ (وَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ مَهْرِهَا) لِاعْتِرَافِهِ بِهِ لِسَيِّدِهَا (وَيَحْلِفُ) مُدَّعًى عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا (لِثَمَنٍ زَائِدٍ) عَمَّا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لَهُ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ، وَأَمَّا الْمَهْرُ الزَّائِدُ فَلَا يَحْلِفُ لِأَجْلِهِ؛ لِاعْتِرَافٍ بِهِ، وَالسَّيِّدُ لَا يَدَّعِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي سَبَبَهُ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ، بَلْ يَدَّعِي الْبَيْعَ. (وَمَا أَوْلَدَهَا) مَنْ سُلِّمَتْ إلَيْهِ بِدَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ؛ فَهُوَ (حُرٌّ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) لِإِقْرَارِ السَّيِّدِ بِأَنَّهَا مِلْكُ الْوَاطِئِ (وَنَفَقَتُهُ) أَيْ: الْوَلَدِ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَبِيهِ كَسَائِرِ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ (كَهِيَ) أَيْ: كَمَا أَنَّ نَفَقَتَهَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ مَالِكٌ (وَلَا) يَمْلِكُ أَنْ (يَرُدَّهَا) مَنْ سُلِّمَتْ إلَيْهِ (بِعَيْبٍ لَا يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ أَوْ إقَالَةٍ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الشِّرَاءَ، وَيَدَّعِي الزَّوْجِيَّةَ. (وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ) مَوْتِ (وَاطِئٍ وَقَدْ كَسَبَتْ) شَيْئًا (فَلِسَيِّدٍ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ كَسْبِهَا (قَدْرُ) بَاقِي (ثَمَنِهَا) لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي غَيْرَهُ، وَالزَّوْجُ يَعْتَرِفُ لَهُ بِالْجَمِيعِ (وَبَقِيَّتُهُ) أَيْ: كَسْبِهَا (مَوْقُوفٌ حَتَّى يَصْطَلِحَا) أَيْ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَا يَعْدُوهُمَا، (وَ) إنْ مَاتَتْ (بَعْدَهُ) أَيْ: الْوَاطِئِ (وَقَدْ أَوْلَدَهَا) فَهِيَ (حُرَّةٌ) لِاعْتِرَافِ السَّيِّدِ أَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْوَاطِئِ (وَيَرِثُهَا وَلَدُهَا إنْ كَانَ) حَيًّا كَسَائِرِ الْحَرَائِرِ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَهَا أَخٌ حُرٌّ أَوْ نَحْوُهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ وَلَا وَارِثَ (وُقِفَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (الْحَالُّ) إلَى أَنْ يَظْهَرَ لَهَا وَارِثٌ، وَلَيْسَ لِسَيِّدٍ أَخْذُ قَدْرِ ثَمَنِهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ، وَمِلْكُ الْوَاطِئِ زَالَ عَنْهُ بِمَوْتِهِ، بِخِلَافِ مَوْتِهَا فِي حَيَاةِ الْوَاطِئِ؛ فَإِنَّ سَيِّدَهَا يَدَّعِي أَنَّ كَسْبَهَا انْتَقَلَ إلَى الْوَاطِئِ، وَهُوَ يُقِرُّ أَنَّهُ لِسَيِّدِهَا فَلِهَذَا يَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَدَّعِيهِ، وَهُوَ بَقِيَّةُ ثَمَنِهَا. (وَلَوْ رَجَعَ سَيِّدٌ) عَنْ دَعْوَى بَيْعِهَا (فَصَدَّقَهُ زَوْجٌ لَمْ، يُقْبَلْ) رُجُوعُ سَيِّدٍ، وَلَا تَصْدِيقُ زَوْجٍ (فِي إسْقَاطِ حُرِّيَّةِ وَلَدٍ) أَتَتْ بِهِ مِنْ وَاطِئٍ (وَ) لَا فِي (اسْتِرْجَاعِهَا) إلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ (إنْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ اللَّهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ. (وَيُقْبَلُ) رُجُوعُ سَيِّدٍ وَتَصْدِيقُ زَوْجٍ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ إسْقَاطِ حُرِّيَّةِ وَلَدٍ وَاسْتِرْجَاعِهَا إلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ (مِنْ إسْقَاطِ ثَمَنٍ) عَنْ الزَّوْجِ (وَلُزُومِ مَهْرٍ) فَيَأْخُذُ مِنْهُ السَّيِّدُ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ.
(وَ) مِنْ (حُكْمِ إمَاءٍ) فَيَمْلِكُ السَّيِّدُ تَزْوِيجَهَا عِنْدَ حِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ، وَأَخْذَ قِيمَتِهَا إنْ قُتِلَتْ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ.
تَتِمَّةٌ:
(وَلَوْ رَجَعَ الزَّوْجُ) عَنْ دَعْوَى التَّزَوُّجِ؛ (ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ) لِلْوَلَدِ، (وَلَزِمَهُ) بَقِيَّةُ الثَّمَنِ لِسَيِّدِهَا؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ.

.فَصْلٌ: [تحريمُ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ]:

(يَحْرُمُ وَطْءُ) زَوْجٍ امْرَأَتَهُ، وَسَيِّدٍ أَمَتَهُ (فِي حَيْضٍ إجْمَاعًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} الْآيَةَ. وَنِفَاسٌ مِثْلُهُ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ اسْتِحَاضَةٍ. (وَيَتَّجِهُ كُفْرُ مُسْتَحِلِّهِ) أَيْ: الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ لِمُصَادَمَتِهِ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَتَكْذِيبِهِ بِالْحَدِيثِ الْآتِي، وَاسْتِحْلَالِهِ أَمْرًا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) حَرُمَ وَطْءٌ (فِي دُبُرٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ) مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا» رَوَاهمَا ابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ؛ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» رَوَاه الْأَثْرَمُ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فَرَوَى جَابِرٌ قَالَ: «كَان الْيَهُودُ يَقُولُونَ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا وَمِنْ خَلْفِهَا غَيْرَ أَنْ لَا يَأْتِيَهَا إلَّا فِي الْمَأْتَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «ائْتِهَا مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ» فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ عُزِّرَ إنْ عَلِمَ تَحْرِيمَهُ لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ. (وَإِنْ تَطَاوَعَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا (أَوْ أَكْرَهَهَا) عَلَيْهِ (وَ) نُهِيَ عَنْهُ (فـَ) لَمْ يَنْتَهِ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا.
(قَالَ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْفَاجِرِ، وَمَنْ يَفْجُرُ بِهِ) مِنْ رَقِيقِهِ انْتَهَى.
(وَكَذَا) يَحْرُمُ (عَزْلٌ) عَنْ زَوْجَةٍ (بِلَا إذْنِ) زَوْجَةٍ (حُرَّةٍ أَوْ) بِلَا إذْنِ (سَيِّدِ أَمَةٍ) نَصًّا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْزَلَ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا» رَوَاه أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَنَّ لَهَا فِي الْوَلَدِ حَقًّا، وَعَلَيْهَا فِي الْعَزْلِ ضَرَرٌ؛ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَقِيسَ عَلَيْهَا سَيِّدُ الْأَمَةِ، وَمَعْنَى الْعَزْلِ أَنْ يَنْزِعَ إذَا قَرُبَ الْإِنْزَالُ فَيُنْزِلَ خَارِجًا عَنْ الْفَرْجِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ لِزَوْجِ الْأَمَةِ أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا إذَا لَمْ تَتَضَرَّرْ بِالْعَزْلِ (وَمَعَ ضَرَرِهَا) بِهِ (يَحْرُمُ) عَلَيْهِ الْعَزْلُ عَنْهَا (بِلَا إذْنِهَا) لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِالْوَطْءِ فِي الْغَيْبَةِ، وَالْفَسْخَ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ بِالْعُنَّةِ؛ وَتَرْكُ الْعَزْلِ مِنْ تَمَامِهِ؛ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَزْلُ حَيْثُ تَضَرَّرَتْ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ؛ جَازَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِرِضَاهَا بِإِدْخَالِهَا الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهَا.
(وَ) يَتَّجِهُ (إنْ) عَزَلَ مَنْ وَطِئَ زَوْجَةً (حُرَّةً) وَهِيَ (حَامِلٌ) لَا يَحْرُمُ بِلَا إذْنِهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي إيجَادِ الْوَلَدِ، وَهُوَ حَاصِلٌ.
(وَ) يَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ وَطِىءَ (أَمَةً) بِزَوْجِيَّةٍ كَأَنْ قَدْ (شَرَطَ) فِي الْعَقْدِ (حُرِّيَّةَ وَلَدِهَا لَا يَحْرُمُ) عَلَيْهِ أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا (بِلَا إذْنِ) سَيِّدِهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْوَلَدِ لِلزَّوْجِ وَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. تَنْبِيهٌ. وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ سُرِّيَّتِهِ نَصًّا، سَوَاءٌ اخْتَارَتْ ذَلِكَ أَوْ كَرِهَتْ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ رَقَبَتَهَا، فَمَلَكَ حَقَّهَا مِنْ الْوَطْءِ كَسَائِرِ حُقُوقِهَا، وَإِذَا مَلَكَ حَقَّهَا كَانَ لَهُ الْعَزْلُ عَنْهَا؛ كَمَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ وَطْئِهَا؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «إنَّا نَأْتِي السَّبَايَا، وَنُحِبُّ إتْيَانَهُنَّ فَمَا تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: اصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَمَا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ كَائِنٌ، وَلَيْسَ مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ» رَوَاه أَحْمَدُ (وَيَعْزِلُ وُجُوبًا) عَنْ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ وَعَنْ سُرِّيَّةٍ (بِدَارِ حَرْبٍ) خَشْيَةَ اسْتِرْقَاقِ الْوَلَدِ (إنْ حَرُمَ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ) كَتَزَوُّجِ الْأَسِيرِ مُطْلَقًا وَتَزَوُّجِ غَيْرِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَإِلَّا) يَحْرُمُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ غَيْرَ الْأَسِيرِ لِضَرُورَةٍ؛ فَيَعْزِلُ (نَدْبًا خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: لِلْمُنْتَهَى وَالْإِقْنَاعِ وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى: وَكَذَا أَيْ: يَحْرُمُ عَزْلٌ بِلَا إذْنِ حُرَّةٍ أَوْ سَيِّدِ أَمَةٍ إلَّا بِدَارِ حَرْبٍ، فَيُسَنُّ مُطْلَقًا وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ وَيَعْزِلُ وُجُوبًا عَنْ الْكُلِّ بِدَارِ حَرْبٍ بِلَا إذْنٍ، انْتَهَى (وَلَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (تَقْبِيلُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (وَلَمْسُهُ لِشَهْوَةٍ، وَلَوْ) كَانَ (نَائِمًا لَا اسْتِدْخَالُ ذَكَرِهِ) فِي فَرْجِهَا (بِلَا إذْنِهِ) نَائِمًا كَانَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (إلْزَامُهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (وَلَوْ) كَانَتْ (ذِمِّيَّةً) أَوْ مَمْلُوكَةً (بِغُسْلٍ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لَهُ، فَمَلَكَ إجْبَارَهَا عَلَى إزَالَةِ مَا يَمْنَعُ حَقَّهُ، (وَ) لَهُ إلْزَامُهَا بِغُسْلِ (نَجَاسَةٍ) إنْ اتَّحَدَ مَذْهَبُهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَارِفًا بِمَذْهَبِهِ عَامِلًا بِهِ، فَيَعْمَلُ كُلٌّ بِمَذْهَبِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا إنْكَارَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيمَا طَهَّرَتْهُ لَهُ عَلَى مَذْهَبِهَا وَعَكْسُهُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَامِّيَّةً لَا مَذْهَبَ لَهَا؛ فَإِنَّهُ يُلْزِمُهَا بِمَذْهَبِهِ، (وَ) لَهُ إلْزَامُهَا بِغُسْلٍ مِنْ (جَنَابَةٍ) إنْ كَانَتْ (مُسْلِمَةً مُكَلَّفَةً) لَا ذِمِّيَّةً. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ خِلَافًا لِمَفْهُومِ الْمُنْتَهَى وَمَا صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ لِإِبَاحَتِهِ بِدُونِهِ.
فَائِدَةٌ:
وَلِلزَّوْجِ إجْبَارُ زَوْجَتِهِ عَلَى اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا، وَلَهُ إلْزَامُهَا (بِأَخْذِ مَا يَعَافُ مِنْ شَعْرِ) عَانَةٍ (وَ) مِنْ (ظُفْرٍ) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ طَالَا قَلِيلًا بِحَيْثُ تَعَافُهُ النَّفْسُ، (وَ) لَهُ إلْزَامُهَا بِإِزَالَةِ (وَسَخٍ) عَلَى جَسَدِهَا؛ لِمَا فِي بَقَائِهِ مِنْ النَّفْرَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَالسَّآمَةِ مِنْهَا (وَعَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ (ثَمَنُ الْمَاءِ)؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّهِ، وَ(لَا) يَمْلِكُ إلْزَامَهَا (بِعَجْنٍ وَخَبْزٍ وَطَبْخٍ وَطَحْنٍ وَكَنْسٍ) لِدَارٍ (وَنَحْوِهِ) كَإِخْرَاجِ مَاءٍ مِنْ بِئْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْبِضْعِ؛ فَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ مِنْ مَنَافِعِهَا، لَكِنَّ الْأَوْلَى لَهَا فِعْلُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقِيَامِهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ، وَلَا يَصْلُحُ الْحَالُ إلَّا بِهِ، وَلَا تَنْتَظِمُ الْمَعِيشَةُ بِدُونِهِ. (وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (الْمَعْرُوفَ مِنْ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ) وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، وَاحْتَجَّ بِقَضِيَّةِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ: «فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى عَلَى ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ بِخِدْمَةِ الْبَيْتِ، وَعَلِيٌّ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْبَيْتِ مِنْ عَمَلٍ» رَوَاه الْجَوْزَانِيُّ مِنْ طُرُقٍ.
تَتِمَّةٌ:
وَأَمَّا خِدْمَةُ نَفْسِهَا فِي الْعَجْنِ وَالْخَبْزِ وَالطَّبْخِ وَنَحْوِهِ فَعَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ الزَّوْجَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهَا لَا يَخْدِمُ نَفْسَهَا؛ فَعَلَيْهِ خَادِمٌ لَهَا. (وَتُمْنَعُ) الزَّوْجَةُ (مِنْ أَكْلِ) مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ (كَبَصَلٍ وَثُومٍ) وَكُرَّاثٍ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ كَمَالَ الِاسْتِمْتَاعِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ وَكَذَا تَنَاوُلُ النَّتِنِ إذَا تَأَذَّى بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، انْتَهَى.
وَتُمْنَعُ أَيْضًا مِنْ تَنَاوُلِ (مَا يُمْرِضُهَا) لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا زَمَنَ الْمَرَضِ (وَ) تُمْنَعُ (ذِمِّيَّةٌ مِنْ دُخُولِ بَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ) فَلَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ (وَ) مِنْ تَنَاوُلِ مُحَرَّمٍ (وَشُرْبِ مَا يُسْكِرُهَا) لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا وَ(لَا) تُمْنَعُ مِمَّا (دُونَهُ) أَيْ: دُونَ مَا يُسْكِرُهَا نَصًّا؛ لِاعْتِقَادِهَا حِلَّهُ فِي دِينِهَا (كَمُسْلِمَةٍ تَعْتَقِدُ إبَاحَةَ يَسِيرِ النَّبِيذِ) فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ، وَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى غَسْلِ فَمِهَا مِنْهُ وَمِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْقُبْلَةِ. (وَلَا يُكْرِهُ) ذِمِّيَّةً (عَلَى إفْسَادِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ) بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا (وَ) لَا تُكْرَهُ عَلَى إفْسَادِ (سِبْتٍ بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ. (وَلَا يَشْتَرِي لَهَا) أَيْ لِزَوْجَتِهِ الذِّمِّيَّةِ زُنَّارًا (وَلَا) يَشْتَرِي (لِأَمَتِهِ الذِّمِّيَّةِ زُنَّارًا) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى إظْهَارِ شِعَارِهِمْ (بَلْ تَخْرُجُ هِيَ تَشْتَرِي لِنَفْسِهَا نَصًّا).

.فَصْلٌ: [لزومُ الْوَطْءِ على الزَّوْجِ]:

(وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الزَّوْجَ (وَطْءُ) زَوْجَتِهِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً بِطَلَبِهَا (فِي كُلِّ ثُلُثِ سَنَةٍ مَرَّةً إنْ قَدَرَ) عَلَى الْوَطْءِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْرُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تُوجِبُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَدَلَّ أَنَّ الْوَطْءَ وَاجِبٌ بِدُونِهَا (وَ) يَلْزَمُهُ (مَبِيتٌ) فِي الْمَضْجَعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي نَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْإِقْنَاعِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِمَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ نُصُوصًا تَقْتَضِيهِ (بِطَلَبٍ عِنْدَ) زَوْجَةٍ (حُرَّةٍ لَيْلَةً مِنْ أَرْبَعِ) لَيَالٍ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ (كَأَنَّهَا وَاحِدَةٌ) لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ سَوَّارٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ أَفْضَلَ مِنْ زَوْجِي، وَاَللَّهِ إنَّهُ لَيَبِيتُ لَيْلَهُ قَائِمًا، وَيَظَلُّ نَهَارَهُ صَائِمًا، فَاسْتَغْفَرَ لَهَا، وَأَثْنَى عَلَيْهَا، وَاسْتَحْيَتْ الْمَرْأَةُ، وَقَامَتْ رَاجِعَةً فَقَالَ كَعْبٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَّا أَعْدَيْتَ الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: إنَّهَا جَاءَتْ تَشْكُوهُ إذَا كَانَ هَذَا فِي الْعِبَادَةِ مَتَى يَتَفَرَّغُ لَهَا، فَبَعَثَ عُمَرُ إلَى زَوْجِهَا، وَقَالَ لِكَعْبٍ: اقْضِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّكَ فَهِمْتَ مِنْ أَمْرِهِمَا مَا لَمْ أَفْهَمْهُ قَالَ: فَإِنِّي أَرَى أَنَّهَا امْرَأَةٌ عَلَيْهَا ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، وَهِيَ رَابِعَتُهُنَّ، فَأَقْضِي لَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ يَتَعَبَّدُ فِيهِنَّ، وَلَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ مَا رَأْيُكَ الْأَوَّلُ بِأَعْجَبَ إلَيَّ مِنْ الْآخَرِ، اذْهَبْ فَأَنْتَ قَاضٍ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَفِي لَفْظٍ قَالَ: نِعْمَ الْقَاضِي أَنْتَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ اُشْتُهِرَتْ، وَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ كَالْإِجْمَاعِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ «عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: إنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ لَهَا عَلَيْهِ حَقٌّ لَمَلَكَ الزَّوْجُ تَخْصِيصَ إحْدَى زَوْجَاتِهِ بِهِ كَالزِّيَادَةِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ، (وَ) يَلْزَمُهُ بِطَلَبِ زَوْجَةٍ (أَمَةٍ) أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا لَيْلَةً (مِنْ) كُلِّ (سَبْعِ) لَيَالٍ (كَأَنَّ مَعَهَا ثَلَاثَ حَرَائِرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ لَيْلَتَانِ، وَلَهَا لَيْلَةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (وَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ فِي الْبَقِيَّةِ بِنَفْسِهِ أَوْ مَعَ سُرِّيَّتِهِ) إذَا لَمْ تَسْتَغْرِقْ زَوْجَاتُهُ جَمِيعَ اللَّيَالِي (فَمَنْ مَعَهُ حُرَّةٌ) فَقَطْ (انْفَرَدَ ثَلَاثًا) أَيْ: ثَلَاثَ لَيَالٍ مِنْ أَرْبَعٍ، (وَ) إنْ كَانَ مَعَهُ حُرَّتَانِ (ثِنْتَانِ) فَلَهُ الِانْفِرَادُ فِي (ثِنْتَيْنِ) مِنْ أَرْبَعٍ، (وَ) إنْ كَانَ مَعَهُ (ثَلَاثُ) حَرَائِرَ (فـَ) لَهُ الِانْفِرَادُ فِي لَيْلَةٍ (وَاحِدَةٍ) مِنْ سَبْعٍ، (وَإِنْ) كَانَ مَعَهُ (أَرْبَعُ) حَرَائِرَ (فَلَا) يَنْفَرِدُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَبِيبُ وَحْدَهُ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ كَانَ مَعَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ قَسَّمَ لَهُنَّ ثَلَاثَ لَيَالٍ مِنْ ثَمَانٍ، وَلَهُ الِانْفِرَادُ فِي خَمْسٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ حُرَّتَانِ وَأَمَةٌ فَلَهُنَّ خَمْسٌ، وَلَهُ ثَلَاثٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ حُرَّتَانِ وَأَمَتَانِ فَلَهُنَّ سِتٌّ، وَلَهُ لَيْلَتَانِ. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلَهَا لَيْلَةٌ، وَلَهُ سِتٌّ (وَإِنْ سَافَرَ) الزَّوْجُ (فَوْقَ نِصْفِ سَنَةٍ فِي غَيْرِ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ وَاجِبَيْنِ، أَوْ فِي غَيْرِ طَلَبِ رِزْقٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَطَلَبَتْ) زَوْجَتُهُ (قُدُومَهُ، وَرَاسَلَهُ الْحَاكِمُ؛ لَزِمَهُ) الْقُدُومُ نَصًّا (فَإِنْ أَبَى) الزَّوْجُ شَيْئًا مِنْ مَبِيتِ لَيْلَةٍ مِنْ أَرْبَعٍ عِنْدَ الْحُرَّةِ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْ سَبْعٍ عِنْدَ الْأَمَةِ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا (أَوْ) أَبَى عَنْ (وَطْءِ) زَوْجَتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا (أَوْ) أَبَى مُسَافِرٌ مِنْ (قُدُومٍ) بِلَا عُذْرٍ لِأَحَدِهِمَا فِي الْجَمِيعِ (فَرَّقَ) الْحَاكِمُ (بَيْنَهُمَا بِطَلَبِهَا، وَلَوْ قَبْلَ دُخُولٍ) نَصًّا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ (قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً) وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا (يَقُولُ غَدًا أَدْخُلُ بِهَا غَدًا أَدْخُلُ بِهَا إلَى شَهْرٍ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الدُّخُولِ؟ قَالَ: أَذْهَبُ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) فَجَعَلَهُ كَالْمَوْلَى، وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ يُؤْمَرُ الرَّجُلُ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، وَلَيْسَ لَهُ شَهْوَةٌ. قَالَ: إي وَاَللَّهِ يَحْتَسِبُ الْوَلَدَ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْوَلَدَ، قَالَ: هَذِهِ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ لِمَا لَا يُؤْمَرُ وَهَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّ أَبَا ذَرٍّ رَوَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مُبَاضَعَةُ أَهْلِكَ صَدَقَةٌ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُصِيبُ شَهْوَتَنَا وَنُؤْجَرُ؟ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ أَفَتَحْسِبُونِ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَا تَحْسِبُونَ بِالْخَيْرِ». وَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْوَلَدِ وَإِعْفَافِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ وَغَضِّ بَصَرِهِ. (وَمَنْ) (غَابَ) عَنْهَا (زَوْجُهَا) غَيْبَةً ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ عِنْدَ مَنْ لَيْسَتْ عَادَتُهُ الْقَتْلَ، وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ أَهُوَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ (وَتَضَرَّرَتْ بِتَرْكِ النِّكَاحِ) مَعَ وُجُودِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا (لَمْ تَفْسَخْ) نِكَاحَهَا (لِذَلِكَ) أَيْ لِتَضَرُّرِهَا بِتَرْكِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ.
تَتِمَّةٌ:
لَوْ ظَاهَرَ، وَلَمْ يُكَفِّرْ فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا لِعُذْرٍ فَلَا فَسْخَ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ إذَنْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ تَعَذَّرَ الْوَطْءُ لِعَجْزِ الزَّوْجِ؛ فَهُوَ كَالنَّفَقَةِ إذَا تَعَذَّرَتْ فَتَفْسَخُ، وَالْفَسْخُ لِتَعَذُّرِ الْوَطْءِ أَوْلَى مِنْ الْفَسْخِ لِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ يُفْسَخُ بِتَعَذُّرِ الْوَطْءِ إجْمَاعًا فِي الْإِيلَاءِ، وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَلَوْ سَافَرَ الزَّوْجُ عَنْهَا لِعُذْرٍ وَحَاجَةٍ؛ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ وَالْوَطْءِ، وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ لِلْعُذْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ نِكَاحُ الْمَفْقُودِ إذَا تَرَكَ لِامْرَأَتِهِ نَفَقَتَهَا؛ أَوْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْهُ أَوْ مَنْ يُقْرِضُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسَافِرِ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَغَابَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَطَلَبَتْ قُدُومَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ بَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَحْرُسُ الْمَدِينَةَ فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ تَقُولُ: تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ وَطَالَ عَلَيَّ أَنْ لَا خَلِيلَ أُلَاعِبُهُ فَوَاَللَّهِ لَوْلَا خَشْيَةُ اللَّهِ وَالْحَيَا لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ فُلَانَةُ زَوْجُهَا غَائِبٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا امْرَأَةٌ. تَكُونُ مَعَهَا، وَبَعَثَ إلَى زَوْجِهَا، فَأَقْفَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ: بِنِيَّةِ كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ؛ مِثْلُكَ يَسْأَلُ مِثْلِي عَنْ هَذَا، فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي أُرِيدُ النَّظَرَ لِلْمُسْلِمِينَ مَا سَأَلْتُكِ، فَقَالَتْ: خَمْسَةَ أَشْهُرٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَوَقَّتَ لِلنَّاسِ فِي مَغَازِيهِمْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، يَسِيرُونَ شَهْرًا، وَيُقِيمُونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَيَرْجِعُونَ فِي شَهْرٍ. (وَسُنَّ عِنْدَ وَطْءٍ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} قَالَ عَطَاءٌ هُوَ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: (وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ أَيْضًا فَإِنْ وُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا) لِلْخَبَرِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا إذَا أَنْزَلَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لِلشَّيْطَانِ فِيمَا رَزَقْتَنِي نَصِيبًا.
(وَ) يُسَنُّ (أَيْ أَنْ يُلَاعِبَهَا قَبْلَ الْجِمَاعِ لِيُنْهِضَ شَهْوَتَهَا) فَتَنَالَ مِنْ لَذَّةِ الْجِمَاعِ مِثْلَ مَا يَنَالُهُ. وَرَوَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُوَاقِعْهَا إلَّا، وَقَدْ أَتَاهَا مِنْ الشَّهْوَةِ مِثْلَ مَا نَالَهُ لَا يَسْبِقْهَا بِالْفَرَاغِ»
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ) عِنْدَ الْجِمَاعِ وَعِنْدَ الْخَلَاءِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ غَطَّى رَأْسَهُ وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ غَطَّى رَأْسَهُ» (وَأَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ) عِنْدَ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ وَعَطَاءً كَرِهَا ذَلِكَ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَيُسْتَحَبُّ لَهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (اتِّخَاذُ خِرْقَةٍ تُنَاوِلُهَا لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (بَعْدَ فَرَاغِهِ) مِنْ جِمَاعِهَا لِيَتَمَسَّحْ بِهَا؛ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُظْهِرَ الْخِرْقَةَ بَيْنَ يَدَيْ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ دَارِهَا (وَكُرِهَ مَسْحُ ذَكَرِهِ بِمَا) أَيْ خِرْقَةٍ (مَسَحَتْ بِهَا) فَرْجَهَا، قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ.
(وَ) كُرِهَ (وَطْؤُهَا مُتَجَرِّدَيْنِ) لِمَا رَوَى عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ وَلَا يَتَجَرَّدْ تَجَرُّدَ الْعَيْرَيْنِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ. وَالْعَيْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ، حِمَارُ الْوَحْشِ شَبَّهَهُمَا بِهِ تَنْفِيرًا عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ. (وَكُرِهَ إكْثَارُ كَلَامٍ حَالَتَهُ) أَيْ: الْوَطْءِ؛ لِحَدِيثِ: «لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ عِنْدَ مُجَامَعَةِ النِّسَاءِ، فَإِنَّ مِنْهُ يَكُونُ الْخَرَسُ وَالْفَأْفَأَةُ».
(وَ) كُرِهَ (نَزْعُهُ) ذَكَرَهُ (قَبْلَ فَرَاغِ شَهْوَتِهَا) أَيْ: قَبْلَ إنْزَالِهَا؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فَلْيُصَدِّقْهَا، ثُمَّ إذَا قَضَى حَاجَتَهُ فَلَا يُعَجِّلْهَا حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا». وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهَا، وَمَنْعًا لَهَا مِنْ قَضَاءِ شَهْوَتِهَا.
(وَ) كُرِهَ (وَطْءٌ) لِزَوْجَتِهِ أَوْ سُرِّيَّتِهِ (بِحَيْثُ يَرَاهُ أَوْ يَسْمَعُهُ) مِنْ النَّاسِ (غَيْرُ طِفْلٍ لَا يَعْقِلُ وَلَوْ رَضِيَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ.
قَالَ أَحْمَدُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ الْوَجْسَ، وَهُوَ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، وَهُوَ بِالْجِيمِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، يُقَالُ: تَوَجَّسَ إذَا تَسَمَّعَ إلَى الصَّوْتِ الْخَفِيِّ.
(وَ) كُرِهَ (مُبَاشَرَتُهَا) أَيْ: وَطْؤُهَا (بِحَضْرَةِ النَّاسِ إنْ كَانَ) أَيْ الزَّوْجَانِ (مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ) لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ (وَإِلَّا) يَكُونَا مَسْتُورَيْ الْعَوْرَةَ (حَرُمَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ مَعَ رُؤْيَةِ الْعَوْرَةِ؛ لِحَدِيثِ: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ» (وَ) كُرِهَ (تَحَدُّثُهُمَا بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا) وَلَوْ لِضَرَّتِهَا (وَحَرَّمَهُ) الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْكِيلَانِيُّ فِي الْغُنْيَةِ (لِأَنَّهُ مِنْ إفْشَاءِ السِّرِّ، وَإِفْشَاءُ السِّرِّ حَرَامٌ) وَرَوَى الْحَسَنُ قَالَ: «جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَأَقْبَلَ عَلَى الرِّجَالِ، فَقَالَ: لَعَلَّ أَحَدَكُمْ يُحَدِّثُ بِمَا يَصْنَعُ بِأَهْلِهِ إذَا خَلَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: لَعَلَّ إحْدَاكُنَّ تُحَدِّثُ النِّسَاءَ بِمَا يَصْنَعُ بِهَا زَوْجُهَا، قَالَ: فَقَالَتْ: امْرَأَةٌ إنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ وَإِنَّا لَنَفْعَلُ؛ فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكُمْ كَمَثَلِ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانَةً فَجَامَعَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ». وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ بِمَعْنَاهُ. (وَلَا يُكْرَهُ نَوْمُهُ مَعَهَا بِلَا جِمَاعٍ بِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ لَهَا) «لِنَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةَ فِي طُولِ الْوِسَادَةِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا بَاتَ عِنْدَهَا فِي عَرْضِهَا»
(وَقَالَ) أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ النِّسَاءِ (لَا يُكْرَهُ نَخْرُهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (حَالَ الْجِمَاعِ) وَقَالَ الْإِمَامُ (مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) (لَا بَأْسَ بِالنَّخْرِ عِنْدَ الْجِمَاعِ، وَأَرَاهُ سَفَهًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ يُعَابُ عَلَى فَاعِلِهِ،) (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (الْجَمْعُ بَيْنَ وَطْءِ نِسَائِهِ) بِغُسْلٍ وَاحِدٍ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «سَكَبْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ غُسْلًا وَاحِدًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ» وَلِأَنَّ حَدَثَ الْجَنَابَةِ لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ بِدَلِيلِ إتْمَامِ الْجِمَاعِ، (وَ) لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ وَطْءِ نِسَائِهِ مَعَ وَطْءِ (إمَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ). «لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
وَ(لَا) يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ (فِي مَسْكَنٍ) أَيْ: بَيْتٍ وَاحِدٍ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ زَوْجَاتِهِ (مَعَ سُرِّيَّةٍ لَهُ) فَأَكْثَرَ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ (إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَاتِ) كُلِّهِنَّ. لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِنَّ؛ لِمَا بَيْنَهُنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ، وَاجْتِمَاعُهُنَّ يُثِيرُ الْخُصُومَةَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَسْمَعُ حِسَّهُ إذَا أَتَى الْأُخْرَى أَوْ تَرَى ذَلِكَ فَإِنْ رَضِينَ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُنَّ (وَيُقَسِّمُ لَهُنَّ إذَنْ) أَيْ: حَيْثُ رَضِينَ الْجَمْعَ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ (فِي الْفِرَاشِ) (فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَخُصَّ فِرَاشَ وَاحِدَةٍ) مِنْهُنَّ (بِالْبَيْتُوتَةِ فِيهِ) أَيْ: فِرَاشِهَا (دُونَ فِرَاشِ الْأُخْرَى) وَإِنْ رَضِينَ بِنَوْمِهِ بَيْنَهُنَّ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، جَازَ وَإِنْ أَسْكَنَ زَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي بَيْتٍ مِنْهَا؛ إذَا جَازَ كَانَ بَيْتُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَسْكَنَ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا جَمْعَ فِي ذَلِكَ؛ وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالسُّرِّيَّةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.